الأعاصير ليست فقط في الأحوال الجوية، فقد تحدث كذلك في أحوال الإنسان النفسية!
ويعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية من إعصار من المشاعر المتضاربة، حيث تتقلب الأحاسيس من السعادة الغامرة إلى اليأس العميق في غمضة عين. وتصبح طبيعته المشتتة هي الواقع الذي يضطر للعيش معه كل يوم، دون معرفة الكثير من المصابين به كيفية التعامل مع تقلباتهم العنية أو حتى شرح ما يدور بداخلهم.
دعونا نغوص في أعماق هذا الاضطراب النفسي، ونكشف عن جوانبه المعقدة، ونحاول فهم ما يدور في عقول هؤلاء الأفراد.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية: الحياة خلف الابتسامة المزيفة
من وجهة نظر مضطرب الشخصية الحدية؛ لا يوجد ما هو يسمى باستقرار نفسي، فلا توجد حالة نفسية ثابتة أو شعور ثابت تجاه أي شيء أو أي شخص!
حيث يُعتبر اضطراب الشخصية الحدية من أكثر الاضطرابات النفسية تعقيداً، الذي يتسم بتقلبات مزاجية حادة، وعلاقات شخصية مضطربة، وصورة ذات غير مستقرة، وسلوكيات اندفاعية. ولكن وراء هذه الأعراض، تكمن تجربة إنسانية عميقة، حيث يشعر المصابون به بعواطف شديدة الحدة، وصعوبة في تنظيمها، وشعور بالفراغ والوحدة الدائمين.
وغالبًا ما يظهر الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية للآخرين بوجه مبتسم، وكأنهم يعيشون حياة مثالية. ولكن خلف هذا القناع، تكمن معاناة حقيقية وصراع مستمر مع الذات، فقد يتجاوز اضطراب الشخصية الحدية كونه مجرد تشخيص طبي، بل هو حالة معقدة تتشابك فيها العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية. فالأبحاث تشير إلى وجود اختلالات في عمل الناقلات العصبية في الدماغ لدى المصابين، مما يساهم في تقلبات المزاج والاندفاعية. كما تلعب التجارب الصادمة في الطفولة دوراً هاماً في تطور هذا الاضطراب، حيث تؤدي إلى صعوبات في بناء الثقة وتنظيم العواطف.
الشخصية الحدية والعلاقات المضطربة
الشعور بالخطر دائمًا من انتهاء العلاقات، والخوف المستمر الذي يحيط عقل مضطرب الشخصية الحدية بأسوار من رعب الهجر، هو الأمر الذي يواجهه يوميًا وباستمرار.
حيث تعتبر العلاقات الشخصية من أكثر التحديات التي يواجهها المصابون باضطراب الشخصية الحدية. فالتقلبات المزاجية الشديدة، والخوف من الهجر، والصعوبة في بناء الثقة، كلها عوامل تساهم في إقامة علاقات غير مستقرة.
يشعر المصابون باضطراب الشخصية الحدية برغبة شديدة في إقامة علاقات قوية ومستقرة، ولكنهم يجدون صعوبة في تحقيق ذلك. فهم يخشون الرفض والتخلي، مما يدفعهم إلى سلوكيات اندفاعية قد تدمر العلاقات. كما يعانون من صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، مما يؤدي إلى سوء الفهم والصراعات.
اضطراب الشخصية الحدية والبحث عن الهوية
أنا أهم شخص بالعالم، لكن في نفس الوقت ليس لي أي أهمية!
هذا الشعور المتناقض هو سمة مميزة لاضطراب الشخصية الحدية. يشعر الشخص المصاب بتقلبات حادة في مشاعره تجاه نفسه والآخرين. فقد يرى نفسه في لحظة كشخص ذي قيمة عالية ومهم، وفي لحظة أخرى كشخص لا قيمة له ولا يستحق الحب. وبالمثل، قد يرى شخصًا ما كأفضل صديق في لحظة، وكعدو لدود في لحظة أخرى.
حيث تتمثل معاناتهم في صعوبة بناء صورة ذات متماسكة ومستقرة. فهم يشعرون بعدم الثقة بأنفسهم، ويتأثرون بآراء الآخرين بشكل كبير.
وقد ينتقلون من الشعور بالتفوق إلى الشعور بالدونية في وقت قصير. هذا التذبذب في صورة الذات يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشونه، حيث يحاولون جاهدين إثبات قيمتهم للآخرين، وفي نفس الوقت يشعرون بالخوف من الفشل والرفض.
سلوكيات اندفاعية: التهور هو وسيلة الهروب
إن الدخول في العلاقات الغير مناسبة هو أحد الأفعال التي يقوم مضطرب الشخصية الحدية بفعلها بكل اندفاعية وتهور دون تفكير في العواقب والمخاطر.
حيث أن السلوكيات الاندفاعية هي سمة مميزة لاضطراب الشخصية الحدية. فالمصابون بهذا الاضطراب قد يلجأون إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر، مثل الإدمان، والعلاقات الجنسية العشوائية، والشقاق الذاتي، بهدف تخفيف التوتر أو البحث عن الإثارة.
لماذا ينجذب مضطربو الشخصية الحدية إلى العلاقات غير الصحية؟
- البحث عن الاهتمام: قد يبحث هؤلاء الأفراد عن الاهتمام بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني الدخول في علاقات مؤذية.
- تلبية الاحتياجات العاطفية: قد يرون في العلاقات غير الصحية وسيلة لتلبية احتياجاتهم العاطفية التي لم يتم تلبيتها في الماضي.
- تكرار أنماط العلاقات المؤذية: قد يكون لدى هؤلاء الأفراد تاريخ من العلاقات المؤذية في الماضي، مما يجعلهم أكثر عرضة لتكرار هذه الأنماط في المستقبل.
وتعتبر السلوكيات الاندفاعية لدى المصابين باضطراب الشخصية الحدية محاولة يائسة للتكيف مع العالم من حولهم. فهم يجدون صعوبة في تحمل المشاعر السلبية، مثل الملل والوحدة، فيلجأون إلى هذه السلوكيات كوسيلة للهروب من الواقع.
علاج اضطراب الشخصية الحدية: رحلة التعافي من اضطراب الشخصية الحدية
كنت أظن أنني لن أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي”… هذه العبارة، التي تتردد على ألسنة العديد من مضطربي الشخصية الحدية، تختزل حجم المعاناة والتحديات التي يواجهونها في حياتهم اليومية. لكن، وسط هذه الظلمات، يظل الأمل موجوداً.
والعلاج من اضطراب الشخصية الحدية ليس مجرد وصفة طبية أو إجراء جراحي، بل هو رحلةٌ شاقة تتطلب صبراً وثباتاً وعزيمة. إنها رحلة استكشاف الذات، وفهم أعمق لمكامن النفس، وتعلّم كيفية التعامل مع المشاعر المتقلبة.
فتتنوع العلاجات المتاحة لاضطراب الشخصية الحدية، وتختلف فعاليتها من شخص لآخر. من بين هذه العلاجات:
- العلاج النفسي: يعتبر حجر الزاوية في علاج اضطراب الشخصية الحدية. مثل العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، يمكن أن يساعد هؤلاء الأفراد على تعلم مهارات تنظيم المشاعر، وتحسين العلاقات، والتغلب على الخوف من الهجر.
- العلاج الدوائي: قد يصف الطبيب بعض الأدوية للمساعدة في تخفيف الأعراض المصاحبة للاضطراب، مثل الاكتئاب والقلق.
- مجموعات الدعم: توفر دعماً عاطفياً ومعنوياً للمرضى وعائلاتهم، وتساعدهم على تبادل الخبرات والتجارب.
في النهاية.. اضطراب الشخصية الحدية هو حالة معقدة تتطلب فهماً عميقاً وتقديراً واسعاً. لذلك في تطبيق حكيم نوفر نخبة من الأطباء النفسيين المتخصصين للمساعدة في فهم آليات هذا الاضطراب، وأسبابه، وأعراضه، كما نقوم بتقديم الدعم اللازم للمصابين به من خلال الاستشارات عن بعد حتى نكون دائمًا إلى جانبهم، ومساعدتهم على بناء حياة أكثر استقراراً وسعادة.